أثر حرب إسرائيل على قطاع غزة على الشخصية العربية والإسلامية

نبيها

منذ السابع من أكتوبر 2023، يشهد قطاع غزة حربًا مدمّرة لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلًا في شدتها وبشاعتها. عشرات الآلاف من الشهداء، أغلبهم من الأطفال والنساء، دُفنوا تحت ركام منازلهم، وسط صمت دولي وتخاذل عربي وإسلامي مدوٍ.

لكن ما يحدث في غزة لم يُخلّف فقط خرابًا ماديًا وبشريًا، بل ترك أثرًا نفسيًا عميقًا على وجدان الإنسان العربي والمسلم في كل مكان. فالمجزرة المستمرة، المقترنة بالصمت والعجز، أعادت تشكيل رؤيتنا لأنفسنا، لعالمنا، ولما تبقّى من كرامة وهوية.

حرب غزة والابادة الجماعية


أولًا: غزة.. مأساة مكشوفة وضمير عالمي غائب

لم تكن غزة مجرد ساحة قتال، بل تحوّلت إلى مسرح مفتوح لإبادة جماعية يومية تُرتكب على الهواء مباشرة.

  • الأطفال يُقتلون بالجملة،
  • المستشفيات تُقصف،
  • والناس يُجبرون على النزوح آلاف المرات داخل رقعة جغرافية ضيقة محاصرة أصلًا.

كل ذلك جرى ويجري أمام أعين العالم، في ظل تقاعس عربي وإسلامي لم يُقدّم سوى بيانات باهتة ومواقف باردة لا تليق بحجم الدم النازف.

ثانيًا: التخاذل العربي والإسلامي… الجرح الأعمق

أشد ما آلم الإنسان العربي والمسلم في هذه الحرب، ليس فقط مشاهد الإبادة، بل إحساسه بالعجز والخذلان من أقرب الناس:

  • لم تُفتح الحدود كما كان يُرجى،
  • لم تُكسر الحصارات،
  • لم تتحرّك الجيوش،
  • لم تُسحب سفراء،
  • لم تُستخدم الثروات والنفوذ السياسي،

بل على العكس، بدا وكأن هناك تواطؤًا بالصمت، وربما بالموافقة الضمنية.

هذا التخاذل الجماعي ترك أثرًا نفسيًا بالغًا على الشخصية العربية والإسلامية، التي وجدت نفسها تتساءل:

"أين نحن؟ ومن نحن؟ وما قيمتنا؟"

ثالثًا: تأثير الحرب على الشخصية العربية والإسلامية

1. جرح في الكرامة

أمام كل مشهد لطفل يُنتشل مقطّع الأوصال من تحت الأنقاض، ومع كل صرخة أم فقدت أبناءها، يشعر العربي بانكسار داخلي لا يندمل.

الكرامة التي كانت منبع فخرٍ وشموخ، أصبحت اليوم مصدر ألمٍ وصمتٍ وعجز، وكأن هذه الأمة صارت بلا ظهر، بلا حيلة، بلا صوت.

2. إعادة تعريف الهوية

كان العرب والمسلمون يفاخرون دومًا بوحدة الدم والعقيدة والمصير، لكن مجازر غزة جاءت لتكشف هشاشة هذا البناء الرمزي.

فالأمة التي لا تتحرك لأجل أطفالها، لا تُعد أمّة بالمفهوم الحقيقي.

بدأت الأسئلة تتكاثر: هل الأمة حقيقة أم وهم؟ هل التضامن كلمات على الورق أم التزام حيّ في الميدان؟

3. شعور بالذنب واللاجدوى

ما يعيشه الشباب العربي والمسلم اليوم هو شعور قاتل بالذنب، كأنهم متواطئون رغمًا عنهم، لأنهم عاجزون.

الذنب لعدم القدرة على فعل شيء، الذنب لأنهم يرون أطفال غزة يُذبحون ولا يملكون إلا منشورًا على فيسبوك أو دمعة في الخفاء.

هذا الشعور المستمر يولّد في النفس العربية حالة احتراق داخلي وانطفاء للحماس والإيمان بالقدرة على التغيير.

4. الإحباط وفقدان الثقة بالأنظمة

فقد الكثير من العرب ثقتهم بالأنظمة السياسية التي تتحدث عن "القضية الفلسطينية" في الخطب، لكنها لم تتخذ أي موقف فعلي.

هذا أدى إلى فجوة كبيرة بين الشعوب وحكّامها، وأضعف الرابط الوطني والمؤسسي، مما يعمّق أزمة الانتماء والهوية.

رابعًا: العربدة الإسرائيلية وتكريس منطق "القوة دون مساءلة"

إسرائيل اليوم، وبعد قرابة 21 شهرًا من الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، لا تزال ترتكب انتهاكات صارخة لكل القوانين الدولية:

  • تقصف المنازل والمستشفيات،
  • تقتل المدنيين بلا تمييز،
  • تحاصر السكان وتحرمهم من الغذاء والدواء والماء،

كل ذلك دون أن تواجه أي عقوبة حقيقية أو مساءلة من المجتمع الدولي.

هذا الواقع رسّخ في الوجدان العربي والإسلامي أن:

  • القوة وحدها تصنع الشرعية في هذا العالم المقلوب،
  • وأن إسرائيل، بدعم غربي وتخاذل عربي، أصبحت كيانًا فوق القانون والمحاسبة،
  • في المقابل، الشعوب المقهورة تعيش حالة من العجز وفقدان الثقة بالعدالة الدولية.

خامسًا: هل ماتت الأمة؟ أم أن الوجع يسبق اليقظة؟

رغم كل الألم، هناك بوادر على أن الشخصية العربية والإسلامية لم تمت:

  • الشعوب لم تصمت رغم التضييق،
  • المظاهرات، حملات الدعم، التبرعات، والصحوة في الوعي الشعبي في الشارع العربي والعالمي،

كلها تقول إن الضمير ما زال حيًا، لكنه يبحث عن جسد سياسي حقيقي يحمله.

ربما ما يحدث الآن هو مرحلة الصدمة، لكنها قد تكون المقدمة لنهوض مختلف، لأن ما بعد غزة لن يكون كما قبلها.

🎭 أثر حرب غزة على الشخصية العربية والإسلامية

منذ بدأت المجازر في 7 أكتوبر 2023 وحتى الآن في يوليو 2025، يعيش الإنسان العربي والمسلم أمام شاشاته يوميًا على وقع دماء تُراق، وأشلاء تُنتشل من تحت الركام، وأطفال يُدفنون أحياء، دون أن يستطيع أن يُغيّر شيئًا. هذا الواقع المرير لم يترك أثره فقط في المشاعر، بل شكّل تحولًا نفسيًا داخليًا في وجدان الشعوب.

1. انكسار الكرامة الجماعية

كانت الكرامة عنصرًا جوهريًا في تكوين الشخصية العربية والإسلامية. أما اليوم، فقد أصبح كثير من الناس يشعرون أن هذه الكرامة تُداس يوميًا في غزة، بينما الأمة صامتة.

المشهد ترك في النفس جرحًا عميقًا: كيف نُقتل بهذه الوحشية ولا أحد يتحرك؟ ما قيمة العروبة والإسلام إذا تُترك غزة وحدها بهذا الشكل؟

2. الإحباط العميق وفقدان الإيمان بالعدالة

مشاهد القصف والمجازر اليومية، مقابل صمت دولي وتخاذل عربي، دفعت الملايين إلى الإحساس بأن العالم مكان ظالم، وأن الحقوق لا تُستعاد إلا بالقوة، وأن الضعف يُعاقب، والقتل يُكافأ بالصمت.

3. الاغتراب داخل الوطن والدين

كثير من الشباب العرب والمسلمين باتوا يشعرون أن ما يحدث في غزة يُعرّي زيف الخطابات التي يسمعونها في بلدانهم: خطب عن الوحدة وحدود مغلقة، تنديد بالظلم من أنظمة صامتة، حديث عن الإسلام مع غياب النصرة الحقيقية.

4. توليد شعور بالذنب الجمعي والعجز القاتل

مع كل مجزرة، يشعر العربي العادي بأنه شريك في الصمت، ولو رغمًا عنه. العجز يولّد شعورًا بالذنب، وكأننا خذلنا إخوتنا وتركناهم يواجهون مصيرهم وحدهم.

5. تقوية الحس بالانقسام والانكسار في الذات الجماعية

حرب غزة جعلت الشخصية العربية والإسلامية تدرك حجم التفكك الداخلي في الأمة. لم تتوحّد المواقف، لم تُرفع الأصوات من العواصم كما رُفعت من الضمائر، وغابت القيادة.

🧠 الخلاصة:

الشخصية العربية والإسلامية اليوم، بعد عشرين شهرًا من الحرب، لم تعد كما كانت. تعرّضت للانكسار، انهارت بعض القيم، وأصابها إحساس بالهامشية والعجز. لكن وسط هذا الركام، لا تزال جذوة الأمل حيّة. الصراخ الشعبي، والوعي، والغضب الداخلي... كلها مؤشرات على أن هذه الشخصية، وإن كانت قد جرحت، فإنها لم تمت. بل ربما تُعيد تشكيل نفسها من جديد، على أُسس من الألم والكرامة والحقيقة.

#buttons=( أقبل ! ) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتعزيز تجربتك. لمعرفة المزيد
Accept !